الجمهورية اليوم المصرية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الجمهورية اليوم المصرية

الجمهورية اليوم المصرية رئيس مجلس الإدارة والتحرير محمد الصفناوي


    الخصوصية انتهت .. والفرد أصبح مكشوفًا

    Admin
    Admin
    Admin


    المساهمات : 3509
    تاريخ التسجيل : 17/10/2019

    الخصوصية انتهت .. والفرد أصبح مكشوفًا Empty الخصوصية انتهت .. والفرد أصبح مكشوفًا

    مُساهمة من طرف Admin الأحد أغسطس 23, 2020 12:43 pm

    الخصوصية انتهت .. والفرد أصبح مكشوفًا
    بقلم/ مايسه أمير

    " العالم قرية صغيرة " نستخدم هذا التعبير بطريقة محايدة ، حيث نري فيه تعريفًا لعصر ثورة المعلومات والإتصالات .
    ولكن ما الذي يحدث عندما يتحول العالم لقرية صغيرة ؟
    ما الذي يخطر لأحدنا حين يستعمل هذه العبارة بطريقة شخصية بإعتبارة أحد سكان هذه القرية ؟
    لعل اول ما سوف يكتشفه هو أنه بات مكشوفًا وأن أهل القرية يعرفون عنه أمورًا كثيرة، واحيانًا يعرفون عنه تقريبًا كل شئ . ولن يكون سعيدًا بهذا الإكتشاف ،لأن سلب الفرد حياته الخاصة لم يكن يومًا سببًا للسعادة .

    وهذا الإكتشاف يلغي الأساس الذي قامت عليه " الليبرالية " وتلخصه العبارة الشهيرة : " حق الإنسان في ان يُترك وشأنه " وقد اطلقها عام 1890القاضي في المحكمة الأمريكية العليا لويس برانديز، بعد ان اجتاحت في تلك الفترة آلات التصوير ومئات الصحف خصوصية الأفراد ، وبدأت صورهم مع اسمائهم وحياتهم الشخصية تتحول عبر الصحف إلي حديث الناس . قال القاضي " ماذا يبقي للإنسان إذا كانت جميع تفاصيل حياته ليست ملكه هو شخصيًا بل ملك الآخرين .. هذا هو الجحيم " .

    في القرية ،الناس تعرف بعضها بعضًا والعمدة او شيخ البلدة يعرف الجميع ، وعندما ينتقل القروي إلي المدينة يصير ليبراليًا يتصرف بحرية فلا أحد يعرفة. فالمدينة هي النقيض للقرية أو البلدة ،الناس فيها مجهولون ، لا احد يعرف الآخر ، وكلٌ جاء من بلدة مختلفة . ولكن هذا كله تغير، فالعالم صار قرية كونية صغيرة ، لم يعد يجد الإنسان مكانًا آمنًا يتحرر فيه ليس لأن اهل بلدته في عصر المعلومات والإتصالات سوف يعرفون ما يفعله في المدينة بل لأن اهل المدينة أيضًا صاروا يعرفونه ،ولم يعد مجهولًا، ولعل في ذلك الكثير من النقمة والكثير من النعمة أيضًا !

    ومع ان الواقع يبقي أغني وأبلغ من أي كلام ، إلا انني احاول ان التقط بعض من ملامح هذا الجحيم الذي بلغة الإنسان في عصرنا هذا .لقد انتهت الخصوصية واصبح الفرد مكشوفًا، بعد ان كان يبحث _هذا الهارب من البلدة الي ليبرالية المدينة _ عن حريته ،اصبح يبحث اليوم عن حريته داخل غرفته وامام هاتفه الجوال او شاشة الكمبيوتر الشخصي او المحمول ويسافر في الطرق السريعة للإنترنت ليكتشف عالمًا جديدًا " افتراضيًا " قادرًا علي تحريره من قيوده ..

    يكتب بياناته وكل المعلومات الخاصة به_ وقد لا تتعلق به وحده بل تشمل أفراد أسرته وأحيانًا جيرانه أيضًا وبعض معارفه _ وتتضمن كل شئ من مكان وتاريخ ميلاده،إلي الأماكن التي سكنها والمدارس التي تعلم فيها والوظائف التي شغلها ،وهواياته المفضله،وما يحب ومايكره ، وإلي جانب تبرعه بكل تلك المعلومات عن حياته الشخصية، تأتي صورته التي التقطتها اله التصوير الخاصه بهاتفه وهو خارجًا من منزله ،وصورة ثانية في الشارع وهو يقود سيارته بسرعة، وأخري جالسًا بأريحية علي كرسيِّه الجلد بمكتبه ذي الستائر المنسدله، اواقفًا امام هيئة حكومية بارزة، واخري وهو يضع بطاقته في آله الصرف الآلي أمام البنك أو يتجول داخل متجر كبير ، او يسبح في الماء المالح وتضربه الأمواج ..

    يقضي ساعات من يومه يتابع فيها عن كثب ما يفعله الأخرين ، نشاطاتهم
    اليومية وتحركاتهم ،افراحهم وآلامهم ، ينغمس مع احزانهم بضمير ، ويشارك نجاحاتهم بقوة ..

    لم نعد نجد ذواتنا إلا في هذا العالم الإفتراضي المملوء بأفراد ( اصدقاء) _ لا نعرفهم شخصيًا، ولم نجتمع بهم يومًا_ و احداث ،صور والعاب وخدع إلكترونية _ لا فائدة منها ويمكن الإستغناء عنها _ ومشكلات يثيرها التقدم التكنولوجي ، وهي ربما اعظم من المشكلات التي يحلها !

    نحن لا ننادي بالعودة إلي الماضي ، ولا نعادي التطور، فالتكنولوجيا منحتنا الكثير ،لكنها أخذت منا الكثير أيضًا ..!الخصوصية انتهت .. والفرد أصبح مكشوفًا Inbo1049

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 6:25 pm