الصعود إلي المدينة
بقلم/ مايسه أمير
كانت شجرة " النبق " الصلبة آخر ما ثبت عليه باصرتي، وأنا أفتح باب بيتنا لأغلقة مودعةً، في رحلة قُدرت أنها طويلة .
والدي غرس " النبقة " في أرض دارنا الواسعة، وعكفت _ أنا_ علي سقايتها مرة كل عدة أيام . فشجر النبق لا يحتاج إلي الري الكثير .
نمت "النبقة " بنشاط ملحوظ، وبعد أن ثارت طولي _ يومها_ تفرع جذعها الطري إلي فرعين صغيرين علي شكل رقم ( ٧ ) ، ولم أكن قد سمعت حينها بإشارة النصر ( V ) بالأجنبية، التي استوردناها من جملة ما استوردنا ،وصارت عنوانًا يوميًا لإنتصاراتنا الباهرة !
قال أبي : شجر النبق من الأشجار المعروفة منذ القدم، وهي من اشجار الجنة، وسيصل طولها امتارًا ويعمر لمئة عام . وعندما تكبر هذة " النبقة " ويشتد عودها ستكون عمودًا جيدًا للبيت الذي سنعمره لكم .
سابقي هنا . معكم .
وأظن ان ظلالها ستوفر لي نومًا هانئًا في ايام الصيف الحارة الآتية . كما اننا سنأكل من ثمارها، ف " النبق " حلو المذاق ذو رائحة طيبة، يكون أصفرًا عندما ينضج، واحمرًا عندما يجف .
وعندما حكي لي أخي _ سرًا_ اتمني ان اقطع الغصنين المتعانقين لأصنع منهما " نبلة " لصيد العصافير .
للحظات ظللت واجمة امامه .. ثم فاضت دموعي غزيرة .. فاختنقت بعبراتي وزفراتي ،واحتبس صوتي .. اسرعت إلي شجيرتي .. احتضتنها .. صرخت كيف تفكر بذلك ابي من زرع هذه الشجرة وانا من اقوم علي رعايتها ؟
الأ تخشي غضب أبي ،وعتاب امي لو نفذت فكرتك !؟
قال اخي : اهدئي ارجوكِ ..كفِ عن البكاء إنها مجرد فكرة .
قلت : ولما لا تفكر في شجر " الصفصاف " هي الأقوي والأفضل !
قلت ذلك لأصرف نظر أخي عنها ، ولا اعلم من اين جاءت لي فكرة شجر الصفصاف .
لم اكن حينها اُشبه باقي صغار العائلة ولا حتي اخوتي، فقد سمعت مُدرستي يومًا تهمس لأمي : " هذه الطفلة الجميلة مي ،طفلة رائعة، ما شاء الله ذكية وتملك عقلًا أكبر من أعوامها الثمانية " .
" تفكر كالكبار " ... " وتتصرف كالبالغين " .
كبرت النبقة، وغلظ جذعها، وركب ابي حصان الذكري ، غادرنا بحرقة لا تزال تلسع روحي ، ودون ان يعمر المنزل المُبتغي لأسرتنا .
ولما كانت قريتنا قاسية المناخ، عشوائية الطباع ،طرت إلي المدينة التي ظلت شوارعها الواسعة النظيفة ،والأبنية العصرية ، والأبراج السكنية المفعمة بلمسة الرقة والوداعة اللونية _ لا يوجد لون فاقع _ فالألوان كلها " درجات " فاتحة من الألوان الأساسية المتمازجة فيما بينها بلمسات ساحرة ، تراودني منذ امد بعيد.
لستُ أول ريفيةٍ تصعد إلي المدينة،ولن اكون الأخيرة !
ولكنني من اوائل الذين قرروا الصعود إلي المدينة .
بقلم/ مايسه أمير
كانت شجرة " النبق " الصلبة آخر ما ثبت عليه باصرتي، وأنا أفتح باب بيتنا لأغلقة مودعةً، في رحلة قُدرت أنها طويلة .
والدي غرس " النبقة " في أرض دارنا الواسعة، وعكفت _ أنا_ علي سقايتها مرة كل عدة أيام . فشجر النبق لا يحتاج إلي الري الكثير .
نمت "النبقة " بنشاط ملحوظ، وبعد أن ثارت طولي _ يومها_ تفرع جذعها الطري إلي فرعين صغيرين علي شكل رقم ( ٧ ) ، ولم أكن قد سمعت حينها بإشارة النصر ( V ) بالأجنبية، التي استوردناها من جملة ما استوردنا ،وصارت عنوانًا يوميًا لإنتصاراتنا الباهرة !
قال أبي : شجر النبق من الأشجار المعروفة منذ القدم، وهي من اشجار الجنة، وسيصل طولها امتارًا ويعمر لمئة عام . وعندما تكبر هذة " النبقة " ويشتد عودها ستكون عمودًا جيدًا للبيت الذي سنعمره لكم .
سابقي هنا . معكم .
وأظن ان ظلالها ستوفر لي نومًا هانئًا في ايام الصيف الحارة الآتية . كما اننا سنأكل من ثمارها، ف " النبق " حلو المذاق ذو رائحة طيبة، يكون أصفرًا عندما ينضج، واحمرًا عندما يجف .
وعندما حكي لي أخي _ سرًا_ اتمني ان اقطع الغصنين المتعانقين لأصنع منهما " نبلة " لصيد العصافير .
للحظات ظللت واجمة امامه .. ثم فاضت دموعي غزيرة .. فاختنقت بعبراتي وزفراتي ،واحتبس صوتي .. اسرعت إلي شجيرتي .. احتضتنها .. صرخت كيف تفكر بذلك ابي من زرع هذه الشجرة وانا من اقوم علي رعايتها ؟
الأ تخشي غضب أبي ،وعتاب امي لو نفذت فكرتك !؟
قال اخي : اهدئي ارجوكِ ..كفِ عن البكاء إنها مجرد فكرة .
قلت : ولما لا تفكر في شجر " الصفصاف " هي الأقوي والأفضل !
قلت ذلك لأصرف نظر أخي عنها ، ولا اعلم من اين جاءت لي فكرة شجر الصفصاف .
لم اكن حينها اُشبه باقي صغار العائلة ولا حتي اخوتي، فقد سمعت مُدرستي يومًا تهمس لأمي : " هذه الطفلة الجميلة مي ،طفلة رائعة، ما شاء الله ذكية وتملك عقلًا أكبر من أعوامها الثمانية " .
" تفكر كالكبار " ... " وتتصرف كالبالغين " .
كبرت النبقة، وغلظ جذعها، وركب ابي حصان الذكري ، غادرنا بحرقة لا تزال تلسع روحي ، ودون ان يعمر المنزل المُبتغي لأسرتنا .
ولما كانت قريتنا قاسية المناخ، عشوائية الطباع ،طرت إلي المدينة التي ظلت شوارعها الواسعة النظيفة ،والأبنية العصرية ، والأبراج السكنية المفعمة بلمسة الرقة والوداعة اللونية _ لا يوجد لون فاقع _ فالألوان كلها " درجات " فاتحة من الألوان الأساسية المتمازجة فيما بينها بلمسات ساحرة ، تراودني منذ امد بعيد.
لستُ أول ريفيةٍ تصعد إلي المدينة،ولن اكون الأخيرة !
ولكنني من اوائل الذين قرروا الصعود إلي المدينة .