ثوبا الزفاف الاسطوريان
بقلم / مايسه أمير
عندما عُدت من العمل ،قابلتني أمي وهي تمسك بمجلة،وقبل ان أدخل غرفتي وأطمئن علي طفلي أسرعت بسؤالي " تخيلي ... من صاحبة الصورة !؟ "
وابتسمت وهي تضع يدها علي الأسماء المدونة أسفل الصورة .
كانت الصورة لعروس يوم زفافها تتأبط ذراع العريس وقد إلتف حولهما الأهل والأصدقاء .
أجبت أمي :" هل أعرفها !؟ " .
فقالت :" تعرفينها جيدًا " .
إجابة أمي جعلتني أدقق النظر أكثرولكني لم اصل إلي شئ ،فأزاحت أمي يدها عن الأسم .
_ياااه .. سناء،لا اصدق ،يا الله لقد تغيرت تمامًا .
كانت " سناء " صديقة طفولتي،تعرفت إليها منذ إلتحاقي بالحضانة، وحتي المرحلة الإعداديةبالمدرسة نفسها، وكنا نسير معًا نفس الطريق ،لأننا نسكن في شارع واحد .
كان يجمعنا طريق طويل، كان طريق صلب،غير متساوي كما لو انه متآكل،حيث كان كل شئ جاف أجرش ،بلا جمال وبلا فرح .إن رغبات الناس هي من رسمت ذلك الطريق المعوجة ،الضرورة هي التي سطرتها .
كل شئ في ذلك الطريق كان مُجهدًا، الرحيل ،السير والعودة ، وكنا نجلس _ أحيانًا_ علي حجر تحت شجرة لكي نستريح،ندندن نشيدًا ظللنا نردده طيلة اليوم في المدرسة ونتناول لقمة عيش عسيرة الإبتلاع في كل خطوة ،حيث الحرارة تأكل رؤسنا وتأكل الأرض ،علي هذا الطريق لا نلتقي غير دواب منهكة وأُناس صامته بوجوه حادّة القسمات .
واثناء عودتنا من المدرسة كثيرًا ما كانت تحكي لي " سناء " عن أبيها الذي يعمل بالخارج في احدي دول الخليج،كانت تقول إنه يدير شركة تصدير واستيراد والذي يستلزم سفره إلي اوروبا كثيرًا .
وفي كل عام كانت " سناء " تهديني يوم عيد ميلادي هدية جميلة وغريبة من تلك العينات التي كان يحضرها والدها .
اتذكر تلك " الدمية " التي كانت عروس بفستانٍ ابيض تراقص عريسها ذو البدلة السواء علي أنغام الموسيقي، تدور حين تشغيلها وتتراقص مثل فراشة، وقد كان ذلك غريبًا ومدهشًا قبل ما يقرب من عشرين عامًا .
في أحد الأيام أحضرت " سناء " معها صور زفاف أخيها الأكبر ،كنا نشاهد الصور في الطريق ،اثناء عودتنا من المدرسة ،وكانت تحكي لي عن أمها التي وعدتها بأن تكون أجمل عروس عندما تكبر ،وستجعلها ترتدي ثوبي زفاف في يوم واحد .
روحت استغرب الفكرة وانا اتخيلهاواحكي لأمي في المساء عن " سناء " وأمها وأسألها إن كان ذلك ممكن !وهي تضحك من أفكارنا جميعًا .
مرت السنوات مسرعة بين الطريق والمدرسة والفصول ، والإختلاف والإتفاق، والمشاجرة والتصالح ،والضحك والدموع دون ان ندري ،حتي قررت اسرة " سناء" السفر للعيش مع والدها ،ولقد فرحت " سناء " كثيرًا بذلك بعد أن اخبرها والدها أنها ستقوم بإجراء معادلة دراسية تستطيع بها أن تهرب من صعوبة الثانوية العامة ، سافرت وانقطعت أخبارها، وضاعت الخيوط بيننا حتي تلك اللحظة .
وفي غُرفتي ،جلست إلي أحد المقاعد،وامسكت بالمجلة مرة ثانية وانا اداعب شعر طفلي ،ونظرت من جديد إلي صورة الزفاف ،كان هناك صورتان أعلي الصفحة ، وكانت " سناء " ترتدي في كل صورة " فستان " زفاف مختلفًا تمامًا عن الأخر ،حملقت في الكلمات المكتوبة اسفل الصورتين ، لأجد " ثوبا الزفاف الأسطوريان من تصميم والدة العروس .
ضحكت وانا أُغالب الدموع ،واتخيل صديقة طفولتي وتلك الأيام، سرح الخيال إلي ذلك الزمن الجميل ،زمن البراءة والإكتشاف والإستجابة الحارة الفورية لكل نوازع الطفولة . وغرقت في التخيل حتي كدت اسمع ثرثرتنا وضجيج أصواتنا وصوت المعلم الوقور والمشرف وهما يناديان علينا لنصطف ف الطابور .
قطعت أمي سيل ذكرياتي الغزيرة ،وكأنما كانت تمشي معي _سرًا_ في نفس الطريق .
_ الغداء جاهز
بقلم / مايسه أمير
عندما عُدت من العمل ،قابلتني أمي وهي تمسك بمجلة،وقبل ان أدخل غرفتي وأطمئن علي طفلي أسرعت بسؤالي " تخيلي ... من صاحبة الصورة !؟ "
وابتسمت وهي تضع يدها علي الأسماء المدونة أسفل الصورة .
كانت الصورة لعروس يوم زفافها تتأبط ذراع العريس وقد إلتف حولهما الأهل والأصدقاء .
أجبت أمي :" هل أعرفها !؟ " .
فقالت :" تعرفينها جيدًا " .
إجابة أمي جعلتني أدقق النظر أكثرولكني لم اصل إلي شئ ،فأزاحت أمي يدها عن الأسم .
_ياااه .. سناء،لا اصدق ،يا الله لقد تغيرت تمامًا .
كانت " سناء " صديقة طفولتي،تعرفت إليها منذ إلتحاقي بالحضانة، وحتي المرحلة الإعداديةبالمدرسة نفسها، وكنا نسير معًا نفس الطريق ،لأننا نسكن في شارع واحد .
كان يجمعنا طريق طويل، كان طريق صلب،غير متساوي كما لو انه متآكل،حيث كان كل شئ جاف أجرش ،بلا جمال وبلا فرح .إن رغبات الناس هي من رسمت ذلك الطريق المعوجة ،الضرورة هي التي سطرتها .
كل شئ في ذلك الطريق كان مُجهدًا، الرحيل ،السير والعودة ، وكنا نجلس _ أحيانًا_ علي حجر تحت شجرة لكي نستريح،ندندن نشيدًا ظللنا نردده طيلة اليوم في المدرسة ونتناول لقمة عيش عسيرة الإبتلاع في كل خطوة ،حيث الحرارة تأكل رؤسنا وتأكل الأرض ،علي هذا الطريق لا نلتقي غير دواب منهكة وأُناس صامته بوجوه حادّة القسمات .
واثناء عودتنا من المدرسة كثيرًا ما كانت تحكي لي " سناء " عن أبيها الذي يعمل بالخارج في احدي دول الخليج،كانت تقول إنه يدير شركة تصدير واستيراد والذي يستلزم سفره إلي اوروبا كثيرًا .
وفي كل عام كانت " سناء " تهديني يوم عيد ميلادي هدية جميلة وغريبة من تلك العينات التي كان يحضرها والدها .
اتذكر تلك " الدمية " التي كانت عروس بفستانٍ ابيض تراقص عريسها ذو البدلة السواء علي أنغام الموسيقي، تدور حين تشغيلها وتتراقص مثل فراشة، وقد كان ذلك غريبًا ومدهشًا قبل ما يقرب من عشرين عامًا .
في أحد الأيام أحضرت " سناء " معها صور زفاف أخيها الأكبر ،كنا نشاهد الصور في الطريق ،اثناء عودتنا من المدرسة ،وكانت تحكي لي عن أمها التي وعدتها بأن تكون أجمل عروس عندما تكبر ،وستجعلها ترتدي ثوبي زفاف في يوم واحد .
روحت استغرب الفكرة وانا اتخيلهاواحكي لأمي في المساء عن " سناء " وأمها وأسألها إن كان ذلك ممكن !وهي تضحك من أفكارنا جميعًا .
مرت السنوات مسرعة بين الطريق والمدرسة والفصول ، والإختلاف والإتفاق، والمشاجرة والتصالح ،والضحك والدموع دون ان ندري ،حتي قررت اسرة " سناء" السفر للعيش مع والدها ،ولقد فرحت " سناء " كثيرًا بذلك بعد أن اخبرها والدها أنها ستقوم بإجراء معادلة دراسية تستطيع بها أن تهرب من صعوبة الثانوية العامة ، سافرت وانقطعت أخبارها، وضاعت الخيوط بيننا حتي تلك اللحظة .
وفي غُرفتي ،جلست إلي أحد المقاعد،وامسكت بالمجلة مرة ثانية وانا اداعب شعر طفلي ،ونظرت من جديد إلي صورة الزفاف ،كان هناك صورتان أعلي الصفحة ، وكانت " سناء " ترتدي في كل صورة " فستان " زفاف مختلفًا تمامًا عن الأخر ،حملقت في الكلمات المكتوبة اسفل الصورتين ، لأجد " ثوبا الزفاف الأسطوريان من تصميم والدة العروس .
ضحكت وانا أُغالب الدموع ،واتخيل صديقة طفولتي وتلك الأيام، سرح الخيال إلي ذلك الزمن الجميل ،زمن البراءة والإكتشاف والإستجابة الحارة الفورية لكل نوازع الطفولة . وغرقت في التخيل حتي كدت اسمع ثرثرتنا وضجيج أصواتنا وصوت المعلم الوقور والمشرف وهما يناديان علينا لنصطف ف الطابور .
قطعت أمي سيل ذكرياتي الغزيرة ،وكأنما كانت تمشي معي _سرًا_ في نفس الطريق .
_ الغداء جاهز