الجمهورية اليوم المصرية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الجمهورية اليوم المصرية

الجمهورية اليوم المصرية رئيس مجلس الإدارة والتحرير محمد الصفناوي


    رابعة العدوية مزجت الزهد بالحب الالهي

    Admin
    Admin
    Admin


    المساهمات : 3509
    تاريخ التسجيل : 17/10/2019

    رابعة العدوية  مزجت الزهد بالحب الالهي Empty رابعة العدوية مزجت الزهد بالحب الالهي

    مُساهمة من طرف Admin الجمعة أغسطس 21, 2020 5:34 pm

    رابعة العدوية
    مزجت الزهد بالحب الالهي
    بقلم علي الشريف
    رابعة هي الابنة الرابعة لاسماعيل "القيسية العدوية البصرية" ولدت رابعة عام 100 هـ في أحد الأكواخ الفقيرة بطرف من أطراف مدينة البصرة لرجل فقير عابد زاهد وكان الناس يسمون هذا الكوخ "كوخ العابد" فنشأت رابعة بين أبوين فقيرين و سميت رابعة لأنها كانت الرابعة لابيها تسبقها ثلاث أخوات
    حبها لله نجاها من الرق
    وبعد وفاة والديها وقعت في الرق وهي ما زالت صغيرة نتيجة ما أصاب البصرة من قحط ومجاعة علي عهدها، فتشردت رابعة في الأرض وتشتت أخواتها وقيل رآها لص أثيم فأخذها وباعها لتاجر ثرى بستة دراهم، وكان رجل غليظ القلب قاسي المشاعر أذاقها العذاب ألواناً، غير أن هذا لم يطفئ ذلك القَبَس الإيماني في قلبها فكانت تهرب من شظف العيش وضيق الدنيا إلى سعة الإيمان ورحمة الله ، وكانت تؤدي عملها في بيت سيدها بما يرضي ضميرها وتؤدي فريضة ربِّها في إخلاص وتفانٍ وذات ليلة استيقظ سيدها فسمعها تناجي وهي ساجدة فتقول:
    إلهي أنت تعلم أن قلبي يتمنَّى طاعتك، ونور عيني في خدمتك، ولو كان الأمر بيدي لما انقطعت لحظة عن مناجاتك.. لكنك تركتني تحت رحمة مخلوق قاسٍ من عبادك ، وكانت تناجي ربها باكية: إلهي.. أنا يتيمة معذَّبة أرسف في قيود الرِّق وسوف أتحمَّل كل ألم وأصبر عليه، ولكن عذاباً أشدّ من هذا العذاب يؤلم روحي ويفكِّك أوصال الصبر في نفسي، منشؤه ريب يدور في خَلَدي :
    هل أنت راضٍ عنِّي؟ تلك هي غايتي ،
    فأستمر سيدها في مراقبتها و ذات ليلة خطف انتباهه انبلاج ضوء حولها ويري فوق رأسها مصباحاُ مضيئاُ غير معلق بشيء ففزع له فتعرف الرحمة طريقها إلى قلبه، وفي الصباح يدعوها : أي رابعة، وهبتك الحرية فإنشئت بقيت هنا ونحن جميعاً في خدمتك، وإن شئت رحلت أنَّى رغبت ، فما كان منها إلا أن ودَّعته وارتحلت لتبدأ مرحلة جديدة في الزهد والتعبد
    مزجت رابعة الزهد بالحب الالهي
    آثرت رابعه أن تعيش في كوخ بعيد عن الناس وكان لمعرفتها بالزاهد رباح بن عمر القيسي أثر كبير في حياتها فقد تعرفت من خلاله على أماكن الذكر ومجالس العلماء فاستمتعت إلى واعظ شيخ البصره آنذاك " عبد الواحد بن زيد" وتعرفت إلى الزاهدة العابدة " حيونه"
    فكانت رابعة تزورها وتقضي الليل معها ويروى أن رابعة مرة زارتها، فلما كان جوف الليل حمل النوم على رابعة ،فقامت إليها حيّونة فركلتها برجلها وهي تقول : قومي قد جاء عرس المهتدين فكان لهذا التعايش والتأثر بأهل الله من صلحاء زمانها أثر كبير في صقل روحها وتوجهها بكليتها إلى الله عز وجل فورثها ذلك خشية الله والخوف منه وإذا رق القلب تأثر بالذكر ومال إلى البكاء، فمع طهارة النفس كان قلب "رابعة" متضرع بكاء مما هيأها لاستقبال أنوار الحق، ولا يكون هذا إلا مع قوة الإيمان فإذا مرت بآية فيها ذكر النار سقطت مغشيًا عليها من الخوف، وإذا مرت بآية فيها تشويق إلى الجنة ركنت إليها،
    وكان تصلي الليل كله وتأنس في خلوتها بالله وتجد في ذلك لذة لا يجدها الملوك وكانت تضع كفنها أمام عينيها حتى لا تنسى الموت، وإذا سُئلت: ما تطلبين من هذا؟ قالت: لا أريد ثواباً بقدر ما أريد إسعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقول لإخوته من الأنبياء: انظروا هذه امرأة من أمتي.. هذا عملها .
    وكانت "رابعة" متواضعة منكسرة لله، لاتزهو ولا يأخذها العجب وقد وقاها إيمانها وإخلاصها الوقوع في شباك الشيطان أو الترفع على العباد بقربها من الله فكانت تبكى وهى ساجدة فإذا رفعت رأسها يُرى موضع سجودها مبلل من دموعها ولها كلام في التواضع حيث تقول :
    ما ظهر من اعمالي فلا أعده شيئاً، وهي التي كانت كثيرة العبادة ولا تنام الليل إلا قليلا كما كانت تخاف أن يرد إليها عملها وعبادتها .
    واضافت رابعة العدوية الى الزهد عنصراً جديداً هو الحب الالهي الذي يتخذ منه الأنسان وسيلة الى مطالعة جمال الله تعالى الأزلي وهي أول من تغنى شعراً ونثراً بالحب الإلهي حيث لم يكن طريق المحبة معبداً قبلها ، وسألها سفيان الثوري عن حقيقة إيمانها فقالت : ما عبدته خوفاً من نار ولا حباً لجنته فأكون كالأجير السوء إن خاف عمل، بل عبدته حباً له وشوقاً إليه ،
    وكانت رابعة تتضرع الى الله تعالى بدعاء مشهور :
    ألهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك بل حباً لك وقصداً للقاء وجهك ، وقد عبرت عن ذلك شعراً :
    تعصي الأله وأنت تظهر حبه .. هذا لعمري في القياس بديع
    لو كان حبك صادقاً لاطعته ..
    ان المحب لمن يحب مطيع
    وكانت لرابعة العدوية أحوال عديدة كما تقول خادمتها التي لازمتها طوال حياتها، عبدة بنت أبي شوّال، إذ قالت : كانت لرابعة أحوال شتى : فمرة يغلب عليها الحب، ومرة يغلب عليها اليأس، وتارة يغلب عليها البسط، ومرة يغلب عليها الخوف، لكن الحب الإلهي يبقى طابعها المميز، ورائدها في تصوفها.
    فهذه أبيات في إنشادها الحب الإلهي:
    فليتك تحلو والحياة مريرة
    وليتك ترضى والأنام غضاب
    وليت الذي بيني وبينك عامر
    وبيني وبين العالمين خراب
    إذا صح منك الود فالكل هين
    وكل الذي فوق التراب تراب.
    بدوي :
    يفند أكاذيب المستشرقين
    وذكر الأمام الغزالى فى كتابه "إحياء علوم الدين "أن محمد بن سليمان الهاشمي الذى ولى البصرة من قبل العباسيين منذ سنة145هـ - 172 هـ وكان ثريأ فبعث إلى علماء البصرة يستشيرهم في امرأة يتزوجها فأجمعوا على رابعة العدوية فأرسل إليها كتابا يخطبها وذكر فيه مقدار غناه وأن مهرها سيكون كبيرا ، فردت عليه رابعة :أما بعد اعلم أن الزهد فى الدنيا راحة القلب والبدن ، والرغبة فيها تورث الهم والحزن ، فإذا أتاك كتابى هذا فهيئ زادك ، وقدم لمعادك وكن وصى نفسك ولا تجعل الناس أوصياءك فيقتسموا تراثك ، وصم عن الدنيا وليكن إفطارك على الموت ، فما يسرني أن الله خولني أضعاف ما خولك فيشغلني بك عنه طرفة عين
    وهكذا رفضت رابعة عرض الزواج كما رفضت قبله وبعده عروضا كثيرة تقدم بها أفاضل الرجال لانها ترى ان ذلك سيشغلها عن حبها لله تعالى وبنت لنفسها خلوة انقطعت فيها للزهد والعبادة وقراءة القرآن ، وظل ذلك دأبها طوال حياتها ، وليس كما يحاول بعض المستشرقين تشويه سيرتها ووصمها بالانحراف والرذيلة وقد اختلف الكثيرون في تصوير حياة وشخصية العابدة رابعة العدوية فقد صورتها السينما في الفيلم السينمائي المصري الذي قامت ببطولته الممثلة نبيلة عبيد والممثل فريد شوقي في الجزء الأول من حياتها كفتاة لاهية تمرّغت في حياة الغواية والخمر والشهوات قبل أن تتجه إلى طاعة الله وعبادته، في حين يقول البعض أن هذه صورة غير صحيحة ومشوهة لرابعة في بداية حياتها
    ويفند الفيلسوف عبد الرحمن بدوي في كتابه " شهيدة العشق الآلهي" أسباب أختلافه مع الصورة التي صورتها السينما لرابعة بدلالات كثيرة منها الوراثة والبيئة كونها نشأت في بيئة إسلامية صالحة وحفظت القرآن الكريم وتدبَّرت آياته وقرأت الحديث وتدارسته وحافظت على الصلاة وهي في عمر الزهور كون أبيها كان عابداً زاهداً وكان يعيش في كوخ اسماه الناس كوخ العابد ، بالإضافة إلى الاستعداد الشخصي الذي تميزت به شخصية رابعة ولهذا ما كان من الممكن وهذه تنشئة رابعة أن يفلت زمامها من يدها وعاشت طوال حياتها عذراء.رابعة العدوية  مزجت الزهد بالحب الالهي Inbo1022

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة أبريل 26, 2024 11:24 pm