إنتهى الدرس .
بقلم: ا.د/ إبراهيم محمد مرجونة
استاذ التاريخ والحضارة الإسلامية ورئيس قسم التاريخ
كلية الإداب- جامعة دمنهور
من رباعيات صلاح جاهين :
ايديا فى جيوبى و قلبى طرب
سارح فى غربة بس مش مغترب
وحدى لكن ونسان و ماشى كده
وبابتعد....ماعرفش....او باقترب وعجبى
قدم الفنان محمد صبحي مع مجموعة لامعة من النجوم مسرحية «انتهى الدرس يا غبي » في عام 1975م، تقوم فكرة المسرحية على تمكُّن أحد علماء الأعصاب من اكتشاف تجربة لمعالجة المتخلفين عقلياً ومنحهم درجة عالية جداً من الذكاء لفترة محدودة، خلال هذه الفترة يستثمر العالم النتيجة المبهرة لصالحه.
ولكن محمد صبحي (الشاب المتخلف) الذي تمت معالجته يكتشف الغرض من هذه العملية، فيتوقف عن تسليم نفسه للاستغلال في نهاية المسرحية، وربما كان أهم عوامل نجاح المسرحية هو عنوانها اللافت، إنك حتماً ستتوقف لتسأل نفسك قبل مشاهدة المسرحية أو بعدها، عن الدرس الذي انتهى ولم تتعلم منه.
الذين يقعون في الأخطاء نفسها مراراً وتكراراً هم الذين لم يتعلموا الدرس، والذين لم يستفيدوا من تجارب الآخرين من حولهم، هم كذلك لم يستفيدوا من الدرس، فهل تنحصر (الدروس الفائتة) على الأفراد فقط؟.
الإجابة البديهية هي بالطبع لا، فالإنسان الذي يكرر أخطاءه وتتشابه أزماته ولا يخرج منها، هو إنسان لا يتعلم بالنموذج، ولا يجيد استيعاب الأحداث من حوله
ما فائدة روايات التاريخ وكتب السير والتقارير المحلية والدولية ونشرات الأخبار والبرامج الوثائقية، إذا كنّا نكرر الأحداث ذاتها ونتوقع نتائج مختلفة عمّن سبقنا وعمّن جاورنا؟!، إنها صورة من صور (الجنون) كما عرّفه آينشتاين، وليست محض (غباء) كما قدمته مسرحية محمد صبحي!، نحن نعرف جيداً أن المجتمعات التي تَخلخل تماسكها وتسمح بمرور العابثين بأمنها واستقرارها تنتهي بالصراعات الداخلية، ثم الحروب، فانتهاء بالفقر وربما التفكك.
جميع كوارثنا الحديثة هي تكرار لحرب داحس والغبراء، ولمسببات سقوط الدولة الأموية والعباسية، ولمشاهد غزو التتار والمغول لبغداد، ولدوامة صراع ملوك الطوائف في الأندلس، والوقوع في فخ سايس بيكو.
إنّ المقدمات المقدمات ذاتها، و النهايات نسخة كربونية عما سبق، ولكننا لم نتعلم الدرس بعد!.. الحلقة المفرغة التي ندور في فلكها هي المعادلة التي درسنا تركيبتها وحلها، ولكننا لم نطبقها فعلياً، وفي كل مرة نُمتحن في المعادلة (المعضلة)، نعلن عن معرفتنا للحل، ولكن... ينتهي الوقت ولم ننجح في الامتحان ولن ننجح، إلا بقراءات مختلفة للواقع !
عليك أن تحتفظ بمفكرة لتدوين الأخطاء والنجاحات
سيمنحك التدوين وعياً تجاه الأنماط والسلوكيات كي يُعمَل بها لاحقاً، أو تتجنبها كاملاً، وباستطاعة الإنسان أن يرجع إلى المفكرة ويستذكر ما كتب خلال يومه وما كان يمكنه أن يتخذ من خيارات.
عن موسى الكاظم أنه قال : (ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم فإن عمل خيراً استزاد الله منه، وحمد الله عليه وإن عمل شراً استغفر الله منه وتاب إليه).
تقبَّل ذاتك: عندما تعرف بأنك إنسان قابل للخطأ، سوف يساعدك على أن تتقبل أخطائك بصورة أحسن، وليس من العيب إن أخطأت دون إدراك (خطأ غير مقصود)، ولكن العيب أن تخطئ ثانية وثالثة وتقع في البئر نفسه "الخطأ ذاته ثانية الخيبة الأعمق من الغفران".
توقف وقيم تجربتك وغير مدخلاتك لكي تتغير المخرجات، الأسوء من الوقوع في الخطأ هو الاستمرار فيه، أن الفرق بين الإنسان والحيوان، هو أن الإنسان كائن له ماضي وتاريخ وحضارة بشرية مشاهدة، أما الحيوان تشكلت حياته على هيئة نظام "القطيع" الذي يولد ويأسس كيان ومنطقة ثم يعيش ثم يموت وينتهي به كل شيء، ثم يأتي قطيع أخر، ويشكل حياة أخرى في مكان مشابه ثم يموت أيضا وينتهي تاريخ القطيعين.
فإن أردت أن تحيا كما كرمك الله فعليك التعقل والفهم والادراك والاستفادة من تجاربك في الماضي وترسم سيناريوهات للمستقبل قائمة على أسس منهجية علمية، تعي فيها الدرس جيدا، ولكل الأخطاء السابقة تعلن انتهاء الدرس والتعلم منها.
بقلم: ا.د/ إبراهيم محمد مرجونة
استاذ التاريخ والحضارة الإسلامية ورئيس قسم التاريخ
كلية الإداب- جامعة دمنهور
من رباعيات صلاح جاهين :
ايديا فى جيوبى و قلبى طرب
سارح فى غربة بس مش مغترب
وحدى لكن ونسان و ماشى كده
وبابتعد....ماعرفش....او باقترب وعجبى
قدم الفنان محمد صبحي مع مجموعة لامعة من النجوم مسرحية «انتهى الدرس يا غبي » في عام 1975م، تقوم فكرة المسرحية على تمكُّن أحد علماء الأعصاب من اكتشاف تجربة لمعالجة المتخلفين عقلياً ومنحهم درجة عالية جداً من الذكاء لفترة محدودة، خلال هذه الفترة يستثمر العالم النتيجة المبهرة لصالحه.
ولكن محمد صبحي (الشاب المتخلف) الذي تمت معالجته يكتشف الغرض من هذه العملية، فيتوقف عن تسليم نفسه للاستغلال في نهاية المسرحية، وربما كان أهم عوامل نجاح المسرحية هو عنوانها اللافت، إنك حتماً ستتوقف لتسأل نفسك قبل مشاهدة المسرحية أو بعدها، عن الدرس الذي انتهى ولم تتعلم منه.
الذين يقعون في الأخطاء نفسها مراراً وتكراراً هم الذين لم يتعلموا الدرس، والذين لم يستفيدوا من تجارب الآخرين من حولهم، هم كذلك لم يستفيدوا من الدرس، فهل تنحصر (الدروس الفائتة) على الأفراد فقط؟.
الإجابة البديهية هي بالطبع لا، فالإنسان الذي يكرر أخطاءه وتتشابه أزماته ولا يخرج منها، هو إنسان لا يتعلم بالنموذج، ولا يجيد استيعاب الأحداث من حوله
ما فائدة روايات التاريخ وكتب السير والتقارير المحلية والدولية ونشرات الأخبار والبرامج الوثائقية، إذا كنّا نكرر الأحداث ذاتها ونتوقع نتائج مختلفة عمّن سبقنا وعمّن جاورنا؟!، إنها صورة من صور (الجنون) كما عرّفه آينشتاين، وليست محض (غباء) كما قدمته مسرحية محمد صبحي!، نحن نعرف جيداً أن المجتمعات التي تَخلخل تماسكها وتسمح بمرور العابثين بأمنها واستقرارها تنتهي بالصراعات الداخلية، ثم الحروب، فانتهاء بالفقر وربما التفكك.
جميع كوارثنا الحديثة هي تكرار لحرب داحس والغبراء، ولمسببات سقوط الدولة الأموية والعباسية، ولمشاهد غزو التتار والمغول لبغداد، ولدوامة صراع ملوك الطوائف في الأندلس، والوقوع في فخ سايس بيكو.
إنّ المقدمات المقدمات ذاتها، و النهايات نسخة كربونية عما سبق، ولكننا لم نتعلم الدرس بعد!.. الحلقة المفرغة التي ندور في فلكها هي المعادلة التي درسنا تركيبتها وحلها، ولكننا لم نطبقها فعلياً، وفي كل مرة نُمتحن في المعادلة (المعضلة)، نعلن عن معرفتنا للحل، ولكن... ينتهي الوقت ولم ننجح في الامتحان ولن ننجح، إلا بقراءات مختلفة للواقع !
عليك أن تحتفظ بمفكرة لتدوين الأخطاء والنجاحات
سيمنحك التدوين وعياً تجاه الأنماط والسلوكيات كي يُعمَل بها لاحقاً، أو تتجنبها كاملاً، وباستطاعة الإنسان أن يرجع إلى المفكرة ويستذكر ما كتب خلال يومه وما كان يمكنه أن يتخذ من خيارات.
عن موسى الكاظم أنه قال : (ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم فإن عمل خيراً استزاد الله منه، وحمد الله عليه وإن عمل شراً استغفر الله منه وتاب إليه).
تقبَّل ذاتك: عندما تعرف بأنك إنسان قابل للخطأ، سوف يساعدك على أن تتقبل أخطائك بصورة أحسن، وليس من العيب إن أخطأت دون إدراك (خطأ غير مقصود)، ولكن العيب أن تخطئ ثانية وثالثة وتقع في البئر نفسه "الخطأ ذاته ثانية الخيبة الأعمق من الغفران".
توقف وقيم تجربتك وغير مدخلاتك لكي تتغير المخرجات، الأسوء من الوقوع في الخطأ هو الاستمرار فيه، أن الفرق بين الإنسان والحيوان، هو أن الإنسان كائن له ماضي وتاريخ وحضارة بشرية مشاهدة، أما الحيوان تشكلت حياته على هيئة نظام "القطيع" الذي يولد ويأسس كيان ومنطقة ثم يعيش ثم يموت وينتهي به كل شيء، ثم يأتي قطيع أخر، ويشكل حياة أخرى في مكان مشابه ثم يموت أيضا وينتهي تاريخ القطيعين.
فإن أردت أن تحيا كما كرمك الله فعليك التعقل والفهم والادراك والاستفادة من تجاربك في الماضي وترسم سيناريوهات للمستقبل قائمة على أسس منهجية علمية، تعي فيها الدرس جيدا، ولكل الأخطاء السابقة تعلن انتهاء الدرس والتعلم منها.